الدكتور احمد نوفل
تأمّلات في قصة موسى وفرعون {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ...} طغيان فرعون: تملُّكه أسباب القوة، وجمعه كل الصلاحيات والسلطات في يده. من وسائل فرعون: تمزيق الشعب، البطش والتهديد، شراء الذمم، الاستعانة بالملأ، استغلال الإعلام.. قَصص القرآن خلاصة التاريخ الإنساني، اصطفاها الحق سبحانه، ولخَّص فيها مسيرة البشر من لدن بدء الإنسان بآدم وانتهاءً ببعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم. وقَصص القرآن أحسن القَصص موضوعاً ومضموناً ومنهجاً في القصّ، وليس من قصص القرآن أيّ كلمة لم ترد في القرآن، ولم تأت قصة طويلة في سورة واحدة إلا قصة يوسف. أما أكثر القصص دوراناً في القرآن فهي قصة موسى عليه السلام، وقد ذُكر في القرآن من سورة البقرة إلى سورة الأعلى، أي على مدى ثلاثين جزءاً لا يكاد يغيب، وذُكر ضِعْف ما ذُكر خليل الله وأبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلوات والتسليم.. وما ذاك إلا لأهمية قصة موسى عليه السلام، وهذه الأهمية تتجلى من عدة وجوه: - قصة موسى تتضمن المواجهة مع أعتى طاغية، إلى زمانه، ولو جئنا نرسم التاريخ الإنساني في خط بياني لوجدناه نازلاً منحدراً إلى قصة فرعون التي تُمثِّل أشدّ نقطة انحدار؛ فقد كان كل نبيّ يُبعث بآية إلى قوم، أما فرعون فقد بعث الله له نبيّين رسولين في تسع آيات، إلى شخص واحد: {فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ} [النمل:12]، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات:17]. - موسى أول نبي يقيم أُمّة ويهاجر بأُمّة ويقيمها على منهج الله. - الصراع الوجودي سيكون بين أُمّة النبي الخاتم نبي الإسراء وبين أُمّة إسرائيل، فاقتضى معرفتهم بالتفصيل أكثر من غيرهم. - هُم السابقون لنا مباشرة؛ فما عيسى إلا أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو السابق المباشر لنبينا -عليهما وعلى الأنبياء السلام- وهم مُجاورونا في الأرض، لكن بالعداء. - لشدة تعقيد شخصية بني إسرائيل ذُكرت بهذه الكثرة، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"؛ لا لنروي عنهم، معاذ الله، ولكن لنعرف مكنونهم ومخبوءهم، فهُم شخصية ملتوية معقّدة شديدة التعقيد، أتعبت الأنبياء وقتلت منهم عدداً بشهادة الله: {يَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:112] وتكررت مثل هذه العبارة. نعود إلى قصة موسى وفرعون.. ولتعلم أنّ فرعون ليس اسم الحاكم الذي واجهه موسى عليه السلام، ولكنه وصفه، مثل: "كسرى" و"هرقل".. في الفرس والروم، وهذا في القبط، أو شعب مصر. واعلم أنّ بذرة التفرعن موجودة في كل نفس، فإن واتتها الظروف أنبتت نبتها الخبيث.. ومنذ أول الوحي قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7]. وطغيان فرعون تملُّكه أسباب القوة، أو ما يسمى بلُغة العصر: إقامته للنظام الشمولي، وجمعه كل الصلاحيات والسلطات في قبضة واحدة؛ فالسياسة، والعسكرية، والأمن، والقضاء، والإعلام، والاقتصاد.. كلها في يده: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51]، {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر:29]. وقصّته تحتاج إلى مجلدات، ولكني سأقف وقفة عجلى عند جزء من آية: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} [الزخرف:54]، وهاتان الكلمتان تحتاجان كتاباً لتجليتهما، وإني بصدده إن شاء الله. لكنا الآن نورد الموجز ونسأل: ما الخطوات، وما المنهجية المتبعة للوصول إلى مثل هذه النتيجة: الاستخفاف بالقوم واستضعافهم؟ وهذه فيما أرى بعض الخطوات: - تمزيق نسيج الشعب وتفريقه والعبث بوحدته، على مقولة الاستعمار قديماً وحديثاً: "فَرِّق تَسُد". ومن هنا قال القرآن: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص:4]. - البطش والتهديد والوعيد والضرب بيد من حديد، على طريقة "ابطش بواحد تُرعب مئة"، {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال:57]، ومن هنا كثر في قصة فرعون ذكر القتل وتقطيع الأعضاء والسجن والذبح: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} [القصص:4]، {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [إبراهيم:6] {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49]، وفي [الأعراف:141]: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ}.. وعندما قال له قومه: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ...} [الأعراف:127]، وعندما آمن السحرة، انطلق الوعيد والتهديد من فم فرعون قائلاً لهم: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:124]، وفي [طه:71] قال: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}. - استحياءُ النساء: والمفهوم واسع؛ بمعنى: استبقاؤهنّ للضغط على الآباء والأبناء والأزواج والإخوة من خلال النسوة، فالمرأة نقطة ضعف لأهلها، وما يخشى الناس شيئاً قدر ما يخشون على أعراضهم أن تُنتهك، وحوادث الاغتصاب من أسف تكاد تكون ديدناً ودأباً عند كثيرين. وقد ذكر "استحياء النساء" عدة سور؛ كالبقرة، والأعراف، والقصص، وطه، وغيرها.. فمن كانت جميلة اتُّخذت للمتعة، ومن كانت غير ذلك اتخذت للخدمة. - الإغداق على الأولياء وشراء الذمم: ومن هنا فإن السحرة بدأوا بطلب الثمن والأجر مسبقاً: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:41-42]، {إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:113-114]. - الاستعانة بالملأ، وهُم قادة المؤسسات والنُّخَب المستفيدة والمرتبطة بالنظام، وبخاصة القوة الاقتصادية، من هنا ذكر القرآن قصة (قارون) في ختام سورة القصص وفي تاليتها سورة العنكبوت، وذكره قبل فرعون: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} [العنكبوت:39]، وقد بدأ ذكر الملأ من قصة نوح، لكن تكثَّف ذكرهم في قصة موسى وفرعون. ومن أشهر رجال فرعون "هامان"، وذكره القرآن بالاسم، أو أنّ هذا وصفه لما يملك من قدرات ودهاء. - إنجاز بعض المعالم الحضارية كشواهد على القوة والعظمة والأُبّهة والمجد؛ فالأهرام -وهي مجرد قبور- قد مات في بنائها عشرات الألوف إن لم يكن المئات من الألوف {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر:10]، {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً} [القصص:38]، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ...} [غافر:36-37]. - التجرُّد من الرحمة، والامتلاء بالكِبْر والقسوة والشدة: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]. - استغلال الإعلام في رسم الهالة، وتضخيم الصورة، وصناعة البطل: وهذا غدا فنّاً له أصوله وقواعده، والسحرة في ذلك الزمان كانوا جزءاً من آلة الإعلام تناسب بدائية وسائل ذلك الزمان، ولكن الوظيفة واحدة: {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعراف:111-112]، {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء:36-37]. - لا بد من نصر عسكري ولو وهمي حتى تكتمل صناعة البطل.. وقد أراد فرعون في الفصل الأخير من قصَّته أن يُتَوِّج القصة بهذا النصر العسكري الذي يحسم الصورة، ويقطع التردّد في التبعية له، فقال عندما خرج بنو إسرائيل من مصر: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:53-56]. - بثّ العيون وسط الناس لنقل كل شاردة وواردة، وإن آيةً في سورة يونس كشفت عن مثل هذا المخطط: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس:83]. هذه بعض الإجراءات تحتاج إلى تفصيلات، ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذه الكلمات.
تأمّلات في قصة موسى وفرعون {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ...} طغيان فرعون: تملُّكه أسباب القوة، وجمعه كل الصلاحيات والسلطات في يده. من وسائل فرعون: تمزيق الشعب، البطش والتهديد، شراء الذمم، الاستعانة بالملأ، استغلال الإعلام.. قَصص القرآن خلاصة التاريخ الإنساني، اصطفاها الحق سبحانه، ولخَّص فيها مسيرة البشر من لدن بدء الإنسان بآدم وانتهاءً ببعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم. وقَصص القرآن أحسن القَصص موضوعاً ومضموناً ومنهجاً في القصّ، وليس من قصص القرآن أيّ كلمة لم ترد في القرآن، ولم تأت قصة طويلة في سورة واحدة إلا قصة يوسف. أما أكثر القصص دوراناً في القرآن فهي قصة موسى عليه السلام، وقد ذُكر في القرآن من سورة البقرة إلى سورة الأعلى، أي على مدى ثلاثين جزءاً لا يكاد يغيب، وذُكر ضِعْف ما ذُكر خليل الله وأبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلوات والتسليم.. وما ذاك إلا لأهمية قصة موسى عليه السلام، وهذه الأهمية تتجلى من عدة وجوه: - قصة موسى تتضمن المواجهة مع أعتى طاغية، إلى زمانه، ولو جئنا نرسم التاريخ الإنساني في خط بياني لوجدناه نازلاً منحدراً إلى قصة فرعون التي تُمثِّل أشدّ نقطة انحدار؛ فقد كان كل نبيّ يُبعث بآية إلى قوم، أما فرعون فقد بعث الله له نبيّين رسولين في تسع آيات، إلى شخص واحد: {فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ} [النمل:12]، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات:17]. - موسى أول نبي يقيم أُمّة ويهاجر بأُمّة ويقيمها على منهج الله. - الصراع الوجودي سيكون بين أُمّة النبي الخاتم نبي الإسراء وبين أُمّة إسرائيل، فاقتضى معرفتهم بالتفصيل أكثر من غيرهم. - هُم السابقون لنا مباشرة؛ فما عيسى إلا أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو السابق المباشر لنبينا -عليهما وعلى الأنبياء السلام- وهم مُجاورونا في الأرض، لكن بالعداء. - لشدة تعقيد شخصية بني إسرائيل ذُكرت بهذه الكثرة، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"؛ لا لنروي عنهم، معاذ الله، ولكن لنعرف مكنونهم ومخبوءهم، فهُم شخصية ملتوية معقّدة شديدة التعقيد، أتعبت الأنبياء وقتلت منهم عدداً بشهادة الله: {يَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:112] وتكررت مثل هذه العبارة. نعود إلى قصة موسى وفرعون.. ولتعلم أنّ فرعون ليس اسم الحاكم الذي واجهه موسى عليه السلام، ولكنه وصفه، مثل: "كسرى" و"هرقل".. في الفرس والروم، وهذا في القبط، أو شعب مصر. واعلم أنّ بذرة التفرعن موجودة في كل نفس، فإن واتتها الظروف أنبتت نبتها الخبيث.. ومنذ أول الوحي قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى . أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7]. وطغيان فرعون تملُّكه أسباب القوة، أو ما يسمى بلُغة العصر: إقامته للنظام الشمولي، وجمعه كل الصلاحيات والسلطات في قبضة واحدة؛ فالسياسة، والعسكرية، والأمن، والقضاء، والإعلام، والاقتصاد.. كلها في يده: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف:51]، {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر:29]. وقصّته تحتاج إلى مجلدات، ولكني سأقف وقفة عجلى عند جزء من آية: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} [الزخرف:54]، وهاتان الكلمتان تحتاجان كتاباً لتجليتهما، وإني بصدده إن شاء الله. لكنا الآن نورد الموجز ونسأل: ما الخطوات، وما المنهجية المتبعة للوصول إلى مثل هذه النتيجة: الاستخفاف بالقوم واستضعافهم؟ وهذه فيما أرى بعض الخطوات: - تمزيق نسيج الشعب وتفريقه والعبث بوحدته، على مقولة الاستعمار قديماً وحديثاً: "فَرِّق تَسُد". ومن هنا قال القرآن: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص:4]. - البطش والتهديد والوعيد والضرب بيد من حديد، على طريقة "ابطش بواحد تُرعب مئة"، {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال:57]، ومن هنا كثر في قصة فرعون ذكر القتل وتقطيع الأعضاء والسجن والذبح: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} [القصص:4]، {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [إبراهيم:6] {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة:49]، وفي [الأعراف:141]: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ}.. وعندما قال له قومه: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ...} [الأعراف:127]، وعندما آمن السحرة، انطلق الوعيد والتهديد من فم فرعون قائلاً لهم: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:124]، وفي [طه:71] قال: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}. - استحياءُ النساء: والمفهوم واسع؛ بمعنى: استبقاؤهنّ للضغط على الآباء والأبناء والأزواج والإخوة من خلال النسوة، فالمرأة نقطة ضعف لأهلها، وما يخشى الناس شيئاً قدر ما يخشون على أعراضهم أن تُنتهك، وحوادث الاغتصاب من أسف تكاد تكون ديدناً ودأباً عند كثيرين. وقد ذكر "استحياء النساء" عدة سور؛ كالبقرة، والأعراف، والقصص، وطه، وغيرها.. فمن كانت جميلة اتُّخذت للمتعة، ومن كانت غير ذلك اتخذت للخدمة. - الإغداق على الأولياء وشراء الذمم: ومن هنا فإن السحرة بدأوا بطلب الثمن والأجر مسبقاً: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:41-42]، {إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:113-114]. - الاستعانة بالملأ، وهُم قادة المؤسسات والنُّخَب المستفيدة والمرتبطة بالنظام، وبخاصة القوة الاقتصادية، من هنا ذكر القرآن قصة (قارون) في ختام سورة القصص وفي تاليتها سورة العنكبوت، وذكره قبل فرعون: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} [العنكبوت:39]، وقد بدأ ذكر الملأ من قصة نوح، لكن تكثَّف ذكرهم في قصة موسى وفرعون. ومن أشهر رجال فرعون "هامان"، وذكره القرآن بالاسم، أو أنّ هذا وصفه لما يملك من قدرات ودهاء. - إنجاز بعض المعالم الحضارية كشواهد على القوة والعظمة والأُبّهة والمجد؛ فالأهرام -وهي مجرد قبور- قد مات في بنائها عشرات الألوف إن لم يكن المئات من الألوف {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر:10]، {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً} [القصص:38]، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ...} [غافر:36-37]. - التجرُّد من الرحمة، والامتلاء بالكِبْر والقسوة والشدة: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]. - استغلال الإعلام في رسم الهالة، وتضخيم الصورة، وصناعة البطل: وهذا غدا فنّاً له أصوله وقواعده، والسحرة في ذلك الزمان كانوا جزءاً من آلة الإعلام تناسب بدائية وسائل ذلك الزمان، ولكن الوظيفة واحدة: {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعراف:111-112]، {وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء:36-37]. - لا بد من نصر عسكري ولو وهمي حتى تكتمل صناعة البطل.. وقد أراد فرعون في الفصل الأخير من قصَّته أن يُتَوِّج القصة بهذا النصر العسكري الذي يحسم الصورة، ويقطع التردّد في التبعية له، فقال عندما خرج بنو إسرائيل من مصر: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء:53-56]. - بثّ العيون وسط الناس لنقل كل شاردة وواردة، وإن آيةً في سورة يونس كشفت عن مثل هذا المخطط: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس:83]. هذه بعض الإجراءات تحتاج إلى تفصيلات، ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذه الكلمات.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.