Friday, April 1, 2016

حرمة الدماء




أما بعد: فيا أيها الناس:

﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ [لقمان: 33].
عبادَ الله:


إن الله تعالى حرم دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم، وحرم سبحانه وتعالى دماء المعاهدين، والذميين، والمستأمنين من الكفار وأعراضهم وأموالهم، وهذا التحريم جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة الصريحة.
• قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93] فمن كان يرجو الله، ويخشاه، ويخاف عقابه، ولعنته، وغضبه، وعذابه والخلود في ناره، فليبتعد عن كل سبب يوصله إلى الوقوعِ في هذه الجريمة القبيحة، نسأل الله العفو والعافية.
• والله تعالى قد حكم على من قتل نفساً بغير حق بحكم عظيم تقشعر منه الجلود المؤمنة وتخشع له القلوب الموقنة فقال سبحانه وتعالى: ﴿...مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].
• وقرن سبحانه وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بالشرك بالله تعالى، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70] .
• وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: أن دم المسلم لا يحل إلا بإحدى ثلاث، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثّيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" [متفق على صحته].
• وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل الرجل المسلم أعظم من زوال الدنيا بأكملها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل رجلٍ مسلمٍ" [رواه الترمذي، والنسائي]، ولفظ النسائي: "والذي نفسي بيده لقتلُ مؤمنٍ أعظم عند الله من زوال الدنيا"[2]. ورواه ابن ماجه من حديث البراء - رضي الله عنه - بلفظ: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق"[3].
• ولعظم حرمة الدماء قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المسلم بالكفر، فقال من حديث معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أن يغفره، إلا الرجل يقتلُ المؤمن متعمداً، أو الرجلُ يموتُ كافراً" [رواه النسائي][4].
• ولجرمِ وقبحِ وشناعةِ وفحشِ قتل المسلم، وعظم حرمته بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن أهل السماوات والأرض لو اشتركوا في قتله لعذبهم جميعاً في النار، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأكبهم الله في النار" [رواه الترمذي][5].
• ومما يؤكد حرمة الدماء المعصومة وظلم من تعدَّى عليها حديث عبدالله - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُقتلُ نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأوَّل كِفلٌ من دَمِها؛ وذلك أنه أوَّلُ مَنْ سنَّ القتْلَ" [رواه النسائي][6].
• ولشناعة حرمة الدماء أنها أول ما يقضى فيه يوم القيامة، فعن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأوّلُ ما يقضى بين الناس في الدماء" [رواه النسائي والترمذي وابن ماجه واللفظ للنسائي] ولفظ الترمذي: "إن أول ما يُحكم بين العباد في الدماء"[7] ورواه البخاري بلفظ: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء"[8].
• "والمقتول ظلماً يجيء بقاتله يوم القيامة ناصيته ورأسُهُ في يده متعلقاً بالقاتل، وأوداجه تَشْخَبُ دماً، يقول: يا ربِّ سل هذا فيما قتلني" [رواه النسائي بألفاظ، وابن ماجه][9].
• والمؤمن لا يزال في سعة من دينه ما لم يصب دماً حراماً؛ فإذا فعل ذلك ضاق عليه دينه، ويكون في ضيق بسبب ذنبه العظيم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً" [رواه البخاري][10].
• وسفك الدم الحرام بغير حق يوقع في الهلال، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إن من وَرَطات الأمورِ التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سَفْكَ الدَّم الحرام بغير حلِّه" [رواه البخاري][11].
والمسلم يحرم دمه، وماله، وعرضه، وبشرته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع "إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا..." [رواه مسلم][12] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل وفيه: "... بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه" [رواه مسلم][13].
فيا عبد الله ابتعدوا عن الوقوع في هذه الجريمة العظيمة، والذنب الكبير، فإنها من السبع الموبقات المهلكات التي حذركم عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل يا رسول الله وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" [متفق عليه][14].
واعلموا رحمكم الله أنه يدخل في تحريم سفك الدم الحرام قتل النفوس المعصومة: من المعاهدين من الكفار، والذميين، والمستأمنين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً" [رواه البخاري][15].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
اتقوا الله تعالى وابتعدوا عن كل وسيلة توصل إلى سفك الدماء المعصومة المحترمة امتثالاً لأمر الله تعالى وانتهاءً عما نهاكم عنه؛ فإن من انتهك الدماء المعصومة فقد تعرض لغضب الله وسخطه، وعقابه، ولعنته، أسأل الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة. هذا والله أسأل أن يصلّي ويسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأن يرضى عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحابه أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، وأصلح بهم العباد والبلاد، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، واغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].




من خطب الشيخ  
سعيد بن علي بن وهف القحطاني


No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.